العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
بقلم: عبد الرحمن العمراني- عن يومية الاتحاد الاشتراكي
يبدو أن العديد من أصحاب الأقلام النشطة في بعض صحفنا المستقلة أو المسماة كذلك – وضمنهم كتاب افتتاحيات طافحة ظاهريا بالجدل، لم يعد يهمهم بالدرجة الأولى، في مواكبة أوضاع البلاد، ومخاضاتها وتفاعلاتها، غير التفرج على الاحداث الجارية، ومن شرفات عالية جدا، لا يصلها بالتأكيد غبار الأتربة المتناثرة على الأرصفة، قد تتسخ بها الأحذية الملمعة بعناية، أو رذاذ المطر المتناثر قد يبلل القمصان وربطات العنق الأنيقة.
وللتذكير، فان الحكاية بدأت مع هؤلاء في شكل إعلان التعلق بنوع معين من الموضوعية في تناول القضايا والموضوعات، وتتبع أحوال الحكام وممارسات المنتخبين وأداء المدراء، موضوعية استحسنها الجميع في البداية، ثم تطورت الاشياء الى رغبة ثم إرادة لعب دور الحكم، المتعالم أحيانا، والناطق باسم الحكمة المفقودة أحيانا، ثم تطورت الأمور في نهاية المطاف، وفي تعاقب زمني، الى تفضيل الموقع المريح أكثر من غيره، من المواقع، حيث لا تكاليف ولا تبعات، نقصد موقع المتفرج من بعيد. وهكذا فسواء حكم الاسلاميون أو حكم اليساريون، وسوا كانت إدارة الشأن العام من نصيب الليبراليين الوسطيين، أو كانت من نصيب الشعبويين المتلونين بألوان قوس قزح، وسواء عجت الساحة الثقافية بالأصوات الاصولية، أكانت ذاتية الدفع، أو قدمت مع الرياح المشرقية، أو ظهرت ملامح طروحات علمانية أو شبه علمانية، وسواء علت أسهم المطالبين بالتقشف في مواجهة الأزمة الاقتصادية – المالية وتداعياتها القادمة من جوارنا الأوروبي، أو هيمن الخيار القائل بدعم الاستثمار والتشغيل والطلب بديلا عن سياسات التقشف – سواء كنا إزاء هذا الاختيار أو ذاك، هذا التوجه أو ذاك، تلك السياسة أو تلك، فإن المتفرجين من شرفات عالية يكتبون في فضاءات ومكاتب يلفها السكون وتغمرها السكينة، يجدون أنفسهم في وضعية مريحة في كل الأحوال.
المتفرج في هذه الحالة، خلافا لعباد الله المواطنين، من ذوي الاحتياجات العادية والخاصة، الضاغطة على جيوبهم تكاليف الفواتير أو إنذارات إدارة الضرائب، المتفرج فعلا في وضع مريح، لا يتغير حاله المادي ولا يتبدل وضعه الاعتباري بتغير الأغلبيات الحكومية والنافذين في مراكز الادارة الكبرى، وإذن لم القلق؟ لم العجلة؟ لم الموقف الواضح، لم الرأي الصريح> لم كل هذا وخزان اللغة المخاتلة والقابلة لألف تأويل وتفسير، ترسل من موقع المتفرج دائما، إشارات ونقط استحقاق لهذا، ولوحات إنذار لذاك، تمجد هذا وتبخس ذاك، تتشفى من هذا وتنقط ذاك على غرار ما تقوم به اليوم مايسمى بوكالات التنقيط إزاء الماليات العمومية للدول، تطلب من هذا مزيدا من الجهد وتحجب الضوء عن الآخر. وتعاقبه بصد أبواب التمويل في وجهه.
والإشكال الاساسي أن هذا التوزيع للأوسمة تارة وللإنذارات تارة أخرى، لا يستقر على حال، ولا يستقر على مدى زمني معقول. لنقل سنة أو نصف سنة. فالذي يكون من حظه اليوم ورقة إنذار بأعمدة طويلة قد تطول أسبوعا أو حتى شهرا ، قد ينقلب بعد ذلك، وبسرعة الى مستقبل للمدح والتشجيع. هذا منطق المتفرج، الذي لا تحرك رؤيته للواقع الماثل أمامه مرجعيات ثابتة أو مستقرة.
كيف نفسر غلبة سلوك التفرج على سلوك الالتزام، ولماذا تغلب منطق المتفرج على منطق الملتزم ضمن الافتتاحيات المستقلة عندنا؟
والجواب أنه خلافا لما نجده في الصحف العالمية من حولنا، من لوموند الى الغارديان ومن لاسطامبا الى النيويورك تايمز، ومن الباييس الى دي فيليت حيث لا يفهم كتاب الافتتاحيات هناك الموضوعية، كما لو كانت الوقوف من الاحداث والتطورات موقف المتفرج دون انخراط عقلي، أو وجداني. لا يجعلون الموضوعية مرادفا للتفرج البارد دون عقل أو قلب.
كتاب الافتتاحيات في تلك الصحف لا يتصورون دورهم على شاكلة دور وكالات التنقيط. كتاب الافتتاحيات هناك ينطلقون في المواكبة من التزامات واضحة يعكسها خط تحريري، لا يقل قوة ورصانة وثباتا عن الخط السياسي أو المذهبي المحرك لسلوك السياسيين. خط لا يتبدل أو يدور كما تدور نوارة الشمس في حقولنا، متتبعة دورة الشمس خلال أيام الحر القائظ في الصيف.
بالأمس القريب، تم التشفي في الاتحاد الاشتراكي بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة، وذلك عبر العديد من الأعمدة والافتتاحيات المستقلة. ولم يكن الأمر نقدا يراد منه الدفع الى مراجعة أو مساءلة،بل كان مجرد تشف بطريقة شبه قبلية، و لا ندري على من سيكون الدور غدا أو بعد غد، لكن الظاهر أن مؤسسات التنقيط الصحفية تنسى في الكثير من الأحيان، حتى موقع المتفرج الذي يلزمها بنوع من حياد المتفرج.
ويصح على ضوء هذا أن نطرح السؤال: ترى، مؤسسات التنقيط الصحفية الى أين؟
27 دجنبر 2011