بيان نعي الشيخ عبد السلام ياسين يؤرخ اليوم لنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في تاريخ العدل والإحسان، نهاية مرحلة كان فيها مؤسس الجماعة وقائدها المرجع الوحيد والأوحد، فلا كلمة تعلو فوق كلمته أسعفه في ذلك منتوجه الفكري على مدى أكثر من ثلاثين عاما، ورغم اعتلال صحته في السنوات الأخيرة فقد كان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في القضايا الكبرى، وإن كان أن بعض قياديي الجماعة أصبحوا يتمتعون بهامش ضيق من حرية القرار بعد أن ظهرت بعض مظاهر الخرف وعدم التركيز لدى الشيخ منذ مدة غير يسيرة.
هناك أكثر من رأي حول مستقبل الجماعة لكن الرأي الذي لن يختلف حوله اثنان هو أن لا أحد من قياديي العدل والإحسان الحاليين أو المستقبليين بإمكانه أن يعوض عبد السلام ياسين، لا في كَارِزْمَاتِيَّتِه أو عطائه الفكري ورزانته، وذلك على الرغم من أن واقعة الرؤى والأحلام في 2006 أثرت جزئيا على مصداقيته لدى جزء من نخبة الجماعة، التي بدأت في الابتعاد عن الجماعة وعدم الالتزام بجلسات الذكر والدعوة التي كانت تقام دوريا حسب طقوس الجماعة، وخصوصا الجانب الطرقي الذي ورثه أتباع ياسين من تجربته داخل الزاوية البوتشيشية.
لا يوجد إلا عبد السلام ياسين واحد وقد أسلم الروح إلى باريها، أما الورثة وقادة الغد فهم كثر، ولن يكونوا إلا مريدي الشيخ كبر ما كبر موقعهم داخل الجماعة أو صغر، المريد لن يكون إلا مريدا و لو بدرجة مرشد عام.
مات الشيخ عاش المريد، لكن الشيخ غير المريد، الشيخ كان مرجعا للجميع، فإذا تنازع المريدون في شيء كانوا يردونه إلى الشيخ، هناك كثير من الملفات الكبرى لم تحسمها الجماعة أيام الشيخ، والآن بعد وفاته لن تحسمها بسرعة، في ظل وضع تنظيمي خلافي بين جزء كبير من القطاع النسائي تابع لكريمة الشيخ وجناح المحافظين داخل الجماعة، الذين يرفضون تخلي الجماعة عن واجبها الدعوي، وهم الذين كانوا وراء عودة مريدي الشيخ إلى قواعدهم بعيدا عن شوارع 20 فبراير، التي أنهكت الجماعة ماديا وشَوَّشَت على الصفاء الروحي والعقائدي لأتباعها.
الأشبال المقربين من نادية ياسين يخوضون حربا ضروسا ضد غريمها الناطق باسم الجماعة فتح الله أرسلان، الذي يُعتَبَر حسب كل المتتبعين الرَّجل الأقوى في الجماعة، وإن كان أنه غير مؤهل في المرحلة الحالية لِلَعب دور المرشد العام الذي يتطلب التخلي عن اللباس الإفرنجي، وإعفاء اللحية والظهور بمظهر الدرويش، وهو الذي علمته مهمة الناطق الرسمي الانفتاح على المجتمع السياسي والإعلام.
مهمة المرشد العام لن يقوم بها في المرحلة المقبلة إلا كبير المريدين والمحافظين، أحد أصحاب الشيخ الذي سوف يجد نفسه مجبرا على الإلمام أكثر بالتراث الفكري من منتوج الشيخ واعتباره مرجعية أساسية في المرحلة المقبلة عوض النهل من الكتاب والسنة حتى يعطي لنفسه مشروعية الانتماء إلى زاوية الشيخ، خصوصا وأن علاقته بآل بيت الخلافة بسلا ليست على ما يرام.
رحم الله الشيخ والعزاء الخالص إلى مريديه
أكورا بريس