(عبد اللطيف أبي القاسم)
الرباط – انتهت قبل أسبوع واحد فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته السادسة والعشرين، دون أن ينتهي أثر الرسائل التي حفلت بها باعتبارها ملتقى للتبادل الثقافي حضره مشاركون من دول مختلفة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
والذين زاروا رواق المركز الثقافي الأمريكي (دار أمريكا) في إطار هذه التظاهرة الدولية كانوا على موعد مع شهادات “حية” خطها مواطنون أمريكيون مقيمون بالمغرب ويشتغلون به نثروا من خلالها الكثير من الورد في حق المملكة وهم يتحدثون عن “بلد مضياف” و”شعب طيب” دون أن يغفلوا التعبير عن طريقتهم في “رد الجميل”.
من مدن أمريكية مختلفة ينحدرون، هناك ترعرعوا وهناك كبروا قبل أن ترسو سفينتهم على شط المغرب الذي أتوا إليه أساتذة ودبلوماسيين وملحقين ثقافيين، فخبروا عن قرب معدن المغاربة وساهموا في تلاقح ثقافتي بلدين تجمعهما علاقات جيدة منذ أمد بعيد.
– بلد مضياف وشعب طيب –
ومن مدينة أوماها، بولاية نبراسكا، قدمت كاري موناهان، التي تشغل منصب نائبة مدير مؤسسة تحدي الألفية في المغرب. تقول موناهان “بالنسبة إلي، ثقافة نبراسكا غنية بالدفئ والود والمحبة، وأعتقد أن الثقافة المغربية، حيث الناس طيبون للغاية، متشابهة جدا مع نبراسكا”.
وتتحدث موناهان عن مدينتها وولايتها التي ترحب بالناس من ثقافات وبلدان الأخرى، مؤكدة أنه “على غرار ثقافة نبراسكا، أعتقد أن انطباعي الأول عن الثقافة المغربية كان دائما هو طابع الدفء وحسن الضيافة التي يتميز بها المغاربة”.
وتشير في هذا الصدد إلى أنه “قد يحدث أحيانا أمشي في الشارع أو أن أتحدث إلى شخص ما باللغة العربية، فيقول “أود أن أدعوك إلى منزلي، وأن تلتقي بعائلتي، مرحبا بك في المغرب”.
وحسب موناهان، فإن “الإحساس بالانتماء إلى المجتمع يمثل إحدى الأشياء التي أحببتها في المغرب منذ وصولي إلى هنا كمتطوعة في هيئة السلام الأمريكية سنة 2004، عندما تطوعت مع زوجي في بلدة صغيرة في جبال الأطلس المتوسط كأستاذة في دار الشباب. وهذا ما أوحى لي بالرغبة في الاشتغال في مجال التنمية الدولية”.
– أوجه تشابه متعددة –
بدورها، تحكي هيرميلا ييفتر، التي تشغل منصب نائب قنصل في قسم التأشيرات في القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء، عن تجربتها في المغرب. تقول بيفتر التي تنحدر من مدينة لاس فيكاس، وكان أبواها لاجئين اثيوبيين في السودان قبل ولادتها، “كنت مهتمة بتعلم اللغة العربية منذ نعومة أظافري، وهذا ما جعلني أزور المغرب لأول مرة في عام 2014”.
وتضيف “صحيح أنني بعيدة عن وطني، إلا أنني أرى الكثير من أوجه التشابه بين المغرب والولايات المتحدة. فالمغاربة يحبون الرقص والموسيقى والاستمتاع بوقتهم، وهذا شيء يذكرني حقا بمدينتي لاس فيكاس”.
بالنسبة لبيفتر، فإن مراكش هي واحدة من المدن المفضلة لديها في المغرب، “إنها فيكاس المغرب، لأن كلتا المدينتين تقعان في منطقة صحراوية، وتشهد كلاهما حركة سياحية دؤوبة، كما تملأ كلاهما الأضواء والروح المرحة”.
من جهتها، تقول ماري رودغير مارتن، نائبة مدير المركز الثقافي الأمريكي (دار أمريكا) بالدار البيضاء، التي قضت فترة من عمرها في شيكاغو، المدينة التي تجمعها توأمة مع الدار البيضاء، إنه “توجد العديد من القواسم المشتركة بين المدنيتين. كلتاهما تتوفران على قطاعات صناعية قوية وساكنة متعددة الثقافات”. وتضيف أن التنوع الثقافي “من نقاط القوة في كلتا المدينتين”،
وأشارت مارتن إلى أنه بالنظر إلى الدور الهام الذي تضطلع به الفنون في “مدينة عالمية مثل الدار البيضاء”، فقد قامت (دار أمريكا) بإرسال فنانين وصناع أفلام وموسيقيين مغاربة وغيرهم إلى الولايات المتحدة للمشاركة في برامج التبادل المهني. ولنفس السبب، تتم دعوة أميركيين إلى المغرب للتواصل مع المغاربة.
وتذكر، في هذا الصدد، فنان جداريات مغربي ساعدته الدار في السفر إلى شيكاغو لإنشاء لوحة جدارية تحتفل بمرور 25 عاما على علاقة التوأمة بين شيكاغو والدار البيضاء، مضيفة أنه “أصبح أصدقائي وعائلتي في أمريكا يلتقطون صورا شخصية أمام جدارية الدار البيضاء في وسط مدينة شيكاغو ويرسلونها إلي ويقولون إنهم يفكرون في، مما يجعلني أشعر بالتواصل مع مسقط رأسي أثناء وجودي هنا في الدار البيضاء”.
– المغرب جزء من قصتنا –
تجل آخر من تجليات حضور المغرب في قلوب الأمريكيين يتحدث عنه راسل بارزيك، وهو مسؤول عن المكتب الجهوي للغة الإنجليزية في السفارة الأمريكية بالرباط . ويتعلق الأمر هنا بأنه التقى مواطنته التي ستصبح زوجته في ما بعد في المملكة.
تعرف بارزيك أول مرة على المغرب من خلال طالب مغربي التقى به حين بدأ مشواره المهني كمدرس للغة الانجليزية في تكساس، و”كان فخورا جدا بكونه من المغرب، وكان يحدثني دائما عن مدى روعة بلده”.
ويضيف بارزيك أنه جاء إلى المغرب أول مرة قبل 17 سنة كمدرس زائر للغة الانجليزية في إطار برنامج زمالة لوزارة الخارجية الأمريكية حيث “أقنعني صديقي بأن المغرب هو المكان الذي يجب أن أذهب إليه. وهكذا فعلت، حيث انتهى بي الأمر في تطوان”.
ويقول إنه عاد اليوم إلى المغرب كمسؤول عن المكتب الجهوي للغة الإنجليزية “لجلب المزيد من أساتذة اللغة الإنجليزية إلى هنا ليستفيدوا من نفس الفرصة التي استفدت منها قبل 17 عاما حيث التقيت زوجتي هنا عندما كنا أساتذة زائرين للغة الإنجليزية”.
ويخلص بارزيك إلى القول إن “المغرب جزء من قصتنا الشخصية والمهنية، لذا فإن العودة إليه تمنحنا دائما شعورا رائعا”.
– هذه طريقتنا في رد الجميل –
مدير المركز اللغوي الأمريكي في الدار البيضاء، ريتشارد مارتن، الذي ينحدر من فيلنت من ولاية ميشغان، ويزاول مهنة تدريس اللغة الإنجليزية، قال إن “الطلبة يأتون إلى المركز اللغوي الأمريكي لتعلم اللغة بطريقة ممتعة وتفاعلية ودينامية”، مضيفا أنه “أدخلت هذا الشعور بالمغامرة إلى الفصل الدراسي في تطوان، وفاس، ثم وجدة، حيث افتتحت أول مركز لغوي أمريكي في المدينة، والآن هنا في الدار البيضاء”.
ويضيف مارتن “أعتقد أن التركيز على الإنجاز هي قيمة أمريكية للغاية. وأحرص على استحضار هذه القيمة في مراحل إنجاز مشروع ضخم بدأناه، حيث سنفتتح قريبا مركزا أمريكيا للفنون والثقافة مكونا من ستة طوابق في قلب مدينة الدار البيضاء. إن عملية البناء تتقدم بسرعة، فقد وصلنا إلى الطابق الرابع”.
وعن إنجاز هذه البنية الثقافية الجديدة يقول مارتن إن “هذه هي طريقتنا في رد الجميل للمجتمع، وفي توسيع الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة التي تسعى جميع المراكز اللغوية الأمريكية الاثني عشر بالمملكة إلى تعزيزها إلى حد كبير”.