ذكرى ميلاد الأميرة للاحسناء: مناسبة لإبراز انخراط سموها الموصول في قضايا المحافظة على البيئة
استكمل الأستاذ يونس الشامي، مؤخرا، مشروعه العلمي “النوبات الأندلسية المدونة بالكتابة الموسيقية”، الذي بدأه في ثمانينيات القرن الماضي، بإصداره، حديثا، المدون الحادي عشر الخاص بنوبة عراق العجم وميزان قدام بواكير الماية.
وقد خصص الأستاذ الشامي ضمن هذا المدون، الذي جاء في 232 من القطع الكبير، والذي تصدره تقديم للأستاذ الراحل عبد الهادي التازي، محورا للتعريف بنوبة عراق العجم من حيث هي نوبة أندلسية مغربية يهيمن على ألحانها طبع عراق العجم الذي يطابق المقام الغربي “صول الكبير”، مسجلا أنها نوبة صغيرة الحجم نسبيا إذا ما قورنت بغيرها من النوبات الأندلسية المغربية الأخرى. كما قدم دراسة تحليلية ومقارنة لطبعي النوبة (عراق العجم والمزموم).
وبخصوص المواضيع التي تتناولها أشعار صنائع هذه النوبة، أشار الأستاذ الشامي أن أغلبها يتمحور حول موضوع الغزل مع وجود بعض الخمريات والأمداح النبوية، ملاحظا أن كثيرا من هذه الأشعار تستعمل في نوبات أخرى بنفس الكلمات والألحان مصورة على درجات صوتية مغايرة.
وقد وثق الأستاذ الشامي بغية والتوشيتين الأولى والثانية ومستعملات نوبة عراق العجم وفق رواية الشيخ مولاي أحمد الوكيلي، رئيس جوق الإذاعة الوطنية للطرب الأندلسي، كما وثق إنشاد طبع عراق العجم وفق أداء المنشد الحاج محمد الطود، وإنشاد طبع المزموم وإنشاد المتقارب وفق أداء المنشد الحاج محمد باجدوب، مرفقا ذلك بتراجم حياتية لهم ترسم مسارهم الفني والموسيقي.
يشار إلى أن الأستاذ يونس الشامي استهل مشروعه التوثيقي لتراث طرب الآلة في بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حيث قام بتدوين نوبات رصد الذيل والاصبهان وغريبة الحسين حسب رواية الشيخ أحمد لبزور التازي، ونوبتي رمل الماية والماية برواية الفنان أحمد الزيتوني، ونوبات الاستهلال والرصد والحجاز الكبير والحجاز المشرقي والعشاق وفق رواية الشيخ مولاي أحمد الوكيلي.
ويأتي عمل الأستاذ يونس الشامي بعد استشعاره ما قد يتهدد الموسيقى الأندلسية المغربية، كغيرها من أنواع الموسيقى التقليدية غير المكتوبة في كل بقاع المعمور، من خطر الضياع والاندثار، لاسيما وأن موسيقى الآلة وصلت إلى الجيل الحالي عبر عصور متعاقبة وأجيال متلاحقة اعتمادا على الذاكرة والرواية الشفوية فقط، فتعرض بسبب ذلك إلى مقدار غير قليل من الضياع والتحريف وهو ما عرض متنها وأدوارها اللحنية إلى كثير من الشوائب والتلاشي.
ويروم الأستاذ الشامي، من خلال أعماله التوثيقية لتدوين مجموع التراث الموسيقي الأندلسي بالكتابة الموسيقية، توثيق هذا التراث وجمعه وتناول مباحثه العامة، إدراكا منه لأهمية المحافظة على ما تختزنه صدور الشيوخ والرواة من نوادر صنائع وتوشيات هذا الفن.
ومن هذا المنطلق فإن تدوين طرب الآلة تدوينا علميا، يؤكد الأستاذ الشامي في العديد من مدوناته، يكفل انتقاله إلى الأجيال القادمة على الحالة التي انحدر منها من الأجداد دون أن يعتريه نقصان فوق ما اعتراه وشابه من قبل، مشددا على أن الواجب الوطني أصبح يحتم على المهتمين تسخير جميع الوسائل الممكنة للحفاظ عليها ووقايتها من المخاطر المحذقة بها، وأن تدوينها بالكتابة الموسيقية، إضافة إلى تسجيلها الصوتي، هو خير هذه الوسائل وأنجعها، فهو لا يقيها فقط من الضياع والتحريف المحتملين إذا ظلت تعتمد على الرواية الشفوية في تناقلها بل يساعد أيضا على فهمها وتذوقها.
وفي تقديمه لهذه المدونات، أكد الأستاذ عبد الهادي التازي أن هذه الأعمال التوثيقية المتواصلة للأستاذ يونس الشامي “تسمو بالموسيقى الأندلسية إلى أوج ما كنا نؤمل، ويرجع ذلك إلى توفره على مؤهلات علمية وفنية عالية يتطلبها إنجاز هذا العمل الرائد والضخم، كما يرجع إلى غيرته الصادقة على هذا التراث وقناعته القوية بضرورة توثيقه توثيقا علميا يضمن سلامته وحفظه للأجيال القادمة”.
ويعد يونس الشامي واحدا من أهم الباحثين في علم الموسيقى بالمغرب، حيث كرس حياته العملية لخدمة الموسيقى والتربية الموسيقية، وشارك في كثير من الندوات والمؤتمرات الموسيقية داخل المغرب وخارجه، كما ألف العديد من الكتب المدرسية في التاريخ والتربية الموسيقية إضافة إلى تدوينه للتراث الموسيقي الأندلسي بالكتابة الموسيقية.
(و م ع)