بقلم: لحسن أمقران (أنمراي) – تنجداد
الشجرة المثمرة هي التي ترشق بالحجارة،انه المثل الذي ينطبق على أستاذنا أحمد عصيد هذه الأيام، فما أن تفتح جريدة أو تطلع على موقع في الشبكة الدولية حتى تجد وابلا من الردود الموجهة ضد الأستاذ، ومعه القارئ الذي يقف حائرا أمام الوضع، ردود أحيي شخصيا أصحابها على تحمل الجهد في التفكير والاجتهاد في التكفير الذي بذلوه لصنع شخصية أخرى وفق منظورهم غير شخصية الأستاذ أحمد عصيد، الذي نعرف حق المعرفة، وندرك حق الإدراك مدى قدرته على مجابهة كل هذه السهام التي أخطأت الوجهة. لا نجادل في كون الرد على ما يصدر من أي كان حقا مكفولا أخلاقيا، كما لا نجادل في كون الاختلاف لا يفسد للود قضية. إن سنة الخالق في خلقه أن جعل الاختلاف سمة تميز هذا الكون، جماده وحيوانه، والذي يتقدمه الإنسان. فمن اللسان إلى اللون، ومن النسب الى المعتقد، ومن الأذواق إلى الأفكار، كلها خصوصيات ومميزات للجماعات البشرية التي يفترض ألا نتضايق من اختلافنا فيها وحولها.
عودة الى الموضوع، لقد أصبح الأستاذ أحمد عصيد، الذي أكن له كل الاحترام و التقدير – وإن كنت سأختلف معه في عدة مواقف وأفكار وأعرف أنه يحترم اختلافي معه – أصبح في نظر الكثيرين مثالا لخطر البلاد والعباد وكأنه يهدد بنى المجتمع المغربي واستقرار أوضاع “الأمة”. كنت أنتظر ممن يكلفون أنفسهم الرد على الأستاذ أن يقيموا الدليل والبرهان ويناقشوا أفكاره بعلمية وموضوعية وحقائق تاريخية ثابتة تقي القارئ شر التيه في الهجمات المجانية على شخص ذنبه الوحيد أنه يؤمن بأفكاره، ويستميت في الدفاع عنها متجاوزا كل الخطوط الحمراء الوهمية والمصطنعة التي اعتاد البعض أن يرسمها لحاجة في نفس يعقوب، ومكسرا كل الحواجز و الطابوهات.
ليس من باب الإطراء أن أقول أن الأستاذ أحمد عصيد مفكر مغربي حداثي استطاع أن يفرض نفسه في الساحة، شخصية فذة وموسوعية، يناقش الكل مع الكل بشجاعة وصراحة وثقة بالنفس قلما نجدها عند غيره، لا يتضايق من إثارة أي موضوع أو ظاهرة، ولا يتثاقل في الرد على أي اتهام. إن من يظن أن للأستاذ عقدة الارتباط بموضوع دون لآخر يجانب الصواب و يغالط نفسه، فالأستاذ أصبح وجها معروفا وصوتا حاضرا في جلسات نقاش ظواهر اجتماعية، سياسية، حقوقية، ثقافية وغيرها. تراه يناقش ويشاكس في النقاش بكل طمأنينة ورزانة تستفز خصومه. صحيح أن لأستاذنا طائرة – معنوية – تحلق فوق رؤوس الكثيرين وتزعج أطروحات استبدت طويلا.
إن الأستاذ أحمد عصيد لم يتخرج قط من كلية حربية كما يخيل للبعض، بل وبكل بساطة خريج كلية الفكر الحداثي المتنور والذي “يقهر” ضباط الصف، عفوا، ضباط إيقاع يحاولون عزف سمفونية ”كن معي أو ابحث لك عن وطن آخر”.
من جهة أخرى اعتدنا أن نشاهد الرياضيين بعد المباراة يتبادلون التحايا بعد أن تبلغ الندية والخصومة أوجها والتنافس ذروته.فبمجرد صافرة الحكم تفتح صفحة جديدة بين الخصوم ويسود الود والوئام. هذه هي الصورة التي نريد لها أن تنطبق على الخصومة الفكرية والإيديولوجية، أن أختلف معك شيء جميل، وأن تكون هناك ندية وخصومة وتنافس شريف في إقناع المتلقي شيء أجمل بكثير. ليس الأمر مسألة غالب ومغلوب بقدر ما هو تفوق في ترتيب الأفكار وربح الأنصار. إذا كان الأستاذ يزعج الكثير ممن يختلفون معه، فذلك راجع بالدرجة الأولى الى صراحته وقناعته الكبيرة بأن ما يحمله من أفكار تستطيع تذويب الهالة التي يضفيها الآخرون على أفكارهم التي غالبا ما تكون مغلفة بالمقدس المشترك و الثوابت التي نتقاسمها جميعا.
حبذا لو أننا ارتقينا بحواراتنا ومناقشاتنا الى طرح الأفكار والمواقف بغض النظر عن خصوصيات أصحابها، حبذا لو وفقنا في كسر حاجز الأحكام المسبقة والعداوة المجانية بيننا ونفسح المجال لصراع فكري بروح رياضية ، فالعنف يأتي بعد العجز الفكري، وعندما اقول العنف، فهناك عنف مادي وآخر لفظي يتمظهر في التجريح والتشهير. سأختم بتحية تقدير و احترام لأستاذنا أحمد عصيد – والذي كما أسلفت أختلف معه في عدة أمور – على ذكائه في تناول القضايا واستماتته في الدفاع عن أفكاره في زمن التخوين والتكفير والتكالب، ولقد صدق من قال :”انك لا تكرهني، بل تكره الصورة التي رسمتها عني، تلك الصورة التي هي لك وليست لي.”