أكد تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تم تقديمه اليوم الجمعة بالرباط، أن فعلية الحق في الصحة يجب أن توضع في قلب مطلب التنمية العادلة والشاملة، القادرة على تصريف وتيرة النمو على مستوى إنتاج الثروة وتوزيعها.
وشدد التقرير الموضوعاتي حول “فعلية الحق في الصحة في المغرب .. التحديات والرهانات ومداخل التعزيز”، الذي قدمته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، على مرتكزات جوهرية لبناء وهندسة استراتيجية وطنية للصحة تتمحور حول دور الدولة الاجتماعية، وتجاوز المقاربة القطاعية لضمان الحق في الصحة، في ضوء مبادئ حقوق الإنسان، ورفع تحدي الاستدامة وضمان الأمن الإنساني، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
كما اقترح، في السياق ذاته، تعزيز حكامة قطاع الصحة من حيث تدبير البنيات الاستشفائية والموارد البشرية والمالية، وتعزيز حكامة الصناعة الدوائية الوطنية، داعيا إلى تبني نظام صحي قائم على الرعاية الصحية الأولية.
وأشار إلى ضرورة مواجهة إشكالات وكلفة المقاربة الاستشفائية الباهظة، وذلك بإيلاء أهمية خاصة ومتجددة للفئات الهشة خاصة الأم والطفل، والصحة الإنجابية والجنسية، والأشخاص في وضعية إعاقة، والمسنون، والمهاجرون واللاجئون، والصحة النفسية والعقلية، والتغطية الصحية الشاملة.
وأبرزت الوثيقة أيضا أهمية التكوين والبحث العلمي كرافعة لتعزيز السيادة الوطنية في مجال الصحة، داعية إلى بلورة استراتيجية وطنية طويلة الأمد ومندمجة لتوطيد ضمان فعلية الحق في الصحة، سواء خلال إعداد برامج التنمية على المستوى الوطني أو الجهوي أو بمناسبة تفعيل وأجرأة بعض الشراكات التي تربط المجلس مع الجامعات ومؤسسات البحث العلمي بهدف تطوير وتعزيز منظومة البحث المتعلقة بفعلية الحق في الصحة.
وأوصى التقرير بضرورة القطع مع الصحة كقطاع اجتماعي، واعتماد مقاربة مندمجة ومتعددة القطاعات بتحديد التقاطعات وعناصر التأثير المتبادل بين الإشكاليات الصحية، من جهة، وبين المحددات الاقتصادية والاجتماعية والقضايا المرتبطة بسياسات التعليم والشغل والسكن والبيئة وأنماط العيش والغذاء، من جهة أخرى.
وتابع أن ربط السياسة الصحية بتطوير اللامركزية كأسلوب لتدبير الشأن العام يجعلها أحد مقومات استراتيجية تعزيز العدالة المحالية، ذلك أن الجهوية المتقدمة يمكن أن تشكل رافعة لدعم العدالة المجالية في مجال الولوج للحق في الصحة، وتقليص التفاوتات المجالية.
ومن أجل تعزيز الدولة الاجتماعية وضمان فعلية الولوج للصحة، أوصى التقرير بضرورة اعتماد مؤسسات أو بنيات تسمح بهندسة وبناء مقاربات واستراتيجيات بعيدة المدى للسياسات العمومية في مجال الصحة، مبنية على حوار مجتمعي من حيث التفكير والتدبير والتقييم، ” لتفادي السياسات القطاعية المتجزئة والمتغيرة كليا مع كل تغير للمسؤولين عن القطاع الصحي أو مدة الانتداب التشريعي والحكومي “.
ولفت إلى أنه أنه لا يمكن ضمان فعلية الحق في الصحة، بما يشوبه من اختلالات تهم التمتع والولوج إليه، إلا في إطار دولة مدافعة وضامنة لهذا الحق.
وبهذه المناسبة، قالت السيدة بوعياش، في كلمة خلال تقديم التقرير، إن الأخير يتمحور حول ثلاث إشكاليات رئيسية في مساءلة فعلية الحق في الصحة، الأولى ذات صلة بالتحديات، ومن بينها تدبير وحكامة قطاع الصحة سواء على مستوى صناعة القرار أو تدبير الموارد البشرية أو المالية.
وأضافت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الإشكالية الثانية تهم الرهانات التي ستسمح بإعادة بناء النظام الصحي الوطني بما يتضمن تعزيز قدرته على الصمود وعلى ضمان الحق في الصحة.
وفي ما يخص الإشكالية الثالثة، تقول السيدة بوعياش، إنها تتعلق باقتراح المجلس الوطني لحقوق الإنسان لخمس مداخل رئيسية لتعزيز الحق في الصحة، لمواجهة التحديات التي سجلها المجلس، وهي مدخل تعزيز حكامة قطاع الصحة، وبناء نظام صحي قاءم على المقاربة الوقائية، والتغطية الصحية الشاملة، والتكوين والبحث العلمي، ومعالجة إشكالية ازدواجية النظام الصحي.
ويعد هذا التقرير ثمرة لقاءات وطنية وجهوية ومقاربة تشاركية سمحت بإشراك مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمهنيين والخبراء والباحثين المعنيين بالحق في الصحة، واقتراح حلول عملية وقابلة للتطبيق ومنسجمة مع الخصوصيات الجهوية والمحلية الكفيلة بالمساهمة في تعزيز الحق في الصحة لجميع المواطنات والمواطنين.
يذكر بأن المجلس قد أطلق، في 14 أكتوبر 2020، مشروع “فعلية الحق في الصحة بالمغرب: نحو نظام صحي يرتكز على المقاربة القائمة على حقوق الإنسان”، بهدف الترافع من أجل وضع استراتيجية صحية وطنية مندمجة، دامجة ومنسجمة، قادرة على ضمان الحق في الصحة للجميع.