سنة 2024: التزام قوي ودور فاعل للمغرب داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي
✏ أحمد الشرعي
لم يعد ممكنا توصيف الاحتقان السياسي بين الرباط وباريس باستعمال التعبيرات الديبلوماسية التقليدية من قبيل ‘‘ليست هناك أزمة‘‘، ولا أدل على ذلك الدور الموجه لزعيم الحزب الماكروني في البرلمان الأوروبي، ستيفان سيجورني، في القرارات الصادرة ضد المملكة.
المؤسسات المغربية المعنية، وفي مقدمتها البرلمان، قامت بدورها، وتواصلت بطريقة فعالة، وجاءت النتيجة من خلال تبني مجلس الشيوخ الفرنسي لموقف يشرف هذه المؤسسة الفرنسية، ويعيد الاعتبار لمكانة المغرب كشريك استراتيجي، مميز، لفرنسا في الضفة الجنوبية للمتوسط. لكن قبل هذا وذاك، يجب التذكير بأن البرلمان الأوروبي لا يملك أية سلطة على الدول الأعضاء للاتحاد.
ولعل، ما ذهب إليه جزء من الصحافة الفرنسية في هذه الحملة، عزز الشعور بوجود احتقان و أزمة بين البلدين، كصحيفة ‘‘ماريان‘‘ (التي أسسها المغربي روبيرت اسراف)، عبر تخصيص 14 صفحة لتوهم قرائها بما تعتبره ليا لذراع فرنسا من طرف المغرب. الأمر الذي قد يعتبره المغاربة مبعثا لمشاعر الفخر.. أو أن يردوا عليه، على الأقل، بالكثير من الابتسامة.
والغاية هنا ليس التعامل باستخفاف مع هذه الهجمات الظالمة ضد المغرب، والمتعارضة كليا مع عمق العلاقات التاريخية بين فرنسا والمغرب، بل الوقوف عليها بشكل متجرد يرمي إلى استجلاء الحقائق، وإخراجها من كل قالب عاطفي.
فرنسا القوة الأوروبية، والأوروبية فقط، تعاني اليوم من مشاكل متعددة، تعود بالأساس إلى عدم قدرتها على استباق التحولات الدولية الجارية حيث ينجو العالم اليوم باتجاه التكتلات متعددة الأقطاب، وهو المعطى الذي رفضت الديبلوماسية الفرنسية الإيمان به، مكتفية بالتموقع لمدة طويلة في الهامش الذي يمنحه لها امتدادها الأطلنتي.
هي فرنسا أيضا، التي بدأت تفقد مواقعها في إفريقيا أمنيا وديبلوماسيا واقتصاديا، في القارة التي ظلت باريس تعتبرها دائما مجالها الحيوي. ويزداد الوضع الفرنسي تعقيدا، مع انشغال حكومة ماكرون بالمشاكل التي تخيم على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخليا، ما ينزع عنها أية قدرة أو إرادة في إبداع سياسية بديلة في إفريقيا. وهنا يصعب على فرنسا أن تتدارك هذا الضعف مستقبلا.
بالمقابل يتطلع المغرب إلى مواجهة العالم بثبات، من خلال ما أحرزه من تقدم في البنى التحتية وتعزيز صمود الاقتصاد الوطني وخياراته الاستراتيجية (على الرغم من النقائص ومشاكل الحكامة التي أشارت إليها بالتفصيل الخطب الملكية غير ما مرة ).
وفي الوقت الذي تتأخر فيه فرنسا في استيعاب الرؤية المغربية، تمكنت إسبانيا من استغلال الفهم المغربي الجديد للعلاقات الدولية، للانخراط في شراكة ثنائية مربحة للطرفين.
من المعروف أن العلاقات الدولية لا تبنى إلا من خلال المصالح الآنية، وليس بالعواطف. المغرب، ومن خلال استهدافه بهذه الحملة العدائية، يبرهن على أنه سائر في الطريق الصحيح، لأنه يزعزع الثوابت القديمة المرتبطة بمصالح الريع لمرحلة ما بعد الاستعمار.
من خلال التزامه في تعزيز التنمية الإفريقية المشتركة، وتنويع شركائه الدوليين دون اصطفاف إيديولوجي، والبحث الدؤوب على الاستثمارات.. يجيب المغرب على الهجمات المقيتة التي يرمي من يحرك خيوطها إلى تخويفه، ليتبناها كمحفزات جديدة للسير إلى الأمام.
(عن موقع AHDATH.INFO)